الحية
النحاسية
حية نحاس: (عدد 9: 21) . شكل حية محرقة صنعها موسى وأقامها على عمود في البرية حسب قول الرب,
لكي ينظر اليها بنو إسرائيل,
الذين لدغتهم الحياة
المحرقة, بإيمان في وعد
الله ان يشفى الذين ينظرونها (عدد 8: 21 و9) . وفي السنين التالية بدأ
العبرانيون يستخدمونها كصنم, فحطمها حزقيا, وبازدراء دعاها نحشتان أي
"قطعة نحاس"
فقط كما في احدى
الترجمات (2 ملوك 4: 18( وعندما تنبأ الرب يسوع
بصلبه, شرح معناه وأهميته الروحية بمقارنته برفع الحية النحاسية
(يوحنا 14: 3 و15((
بعد أن أرسل الله الحيات المحرقة على الشعب قديماً لتذمرهم على
الله وعلى عبده موسى، "أتى الشعب إلى موسى وقالوا قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك،
فصلِّ إلى الرب ليرفع عنا الحيات، فصلى موسى لأجل الشعب. فقال الرب لموسى اصنع لك حية محرقة وضعها على راية فكل من لدغ ونظر إليها
يحيا. فصنع موسى حية من نحاس ووضعها على الراية فكان متى لدغت
الحية إنساناً ونظر إلى حية النحاس يحيا" (عدد7:21 9(
بهذه الوسيلة أنقذ الله الشعب وعلمهم درساً في الاتكال عليه في
كل شيء. وعندما قام حزقيا بعد ذلك بعدة قرون بإزالة المرتفعات والتماثيل
والسواري، "سحق حية النحاس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون
لها ودعوها نحشتان" (2مل 4:18). وعبارة "دعوها" في العبرية قد تعني
أن حزقيا هو الذي دعاها "نحشتان" أي "قطعة من
نحاس" تهويناً من أمرها، أو أن الشعب كان قد دعاها بهذا الاسم منذ أن انحرف إلى
عبادتها. وما فعله حزقيا من سحق تلك الحية كان بالغ الأهمية لأن عبادة الحيات
كانت واسعة الانتشار في الديانات الوثنية في الشعوب حولهم. وقد وجدت حية نحاسية
في جازر، وسارية نحاسية على شكل حية في حاصور، وحية نحاسية مذهبة في أحد المعابد
في تمنة. وكان الفراعنة يزينون تيجانهم بتماثيل الكوبرا المصرية رمز الالهة
"أديو" حامية مصر السفلى.
وفي حديث الرب يسوع لنيقوديموس
عن حتمية موته بالصليب
لخلاص البشر، استخدم الحية النحاسية التي رفعت على سارية لكي
ينظر كل من لدغ، إليها بإيمان فيحيا، قائلاً:"وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن
الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله
العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبدية" (يو14:3 16)، فكل من ينظر بإيمان إلى المسيح يخلص وينول الحياة الأبدية.
بالرغم من نصرتهم على ملك عراد الذي ثار
عليهم كحمار وحشي، وقد شهدوا لعمل الله معهم بدعوة الموضع "حُرمة"،
لكنهم سرعان ما تذمروا على الرب لأنهم لم
يعبروا طريقهم وسط أدوم، بل ساروا طريقًا أطول، فضاقت أنفسهم في الطريق
قائلين:
لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البريّة،
لأنه لا خبز ولا ماء، وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف حين
تذمروا بسبب العطش احتملهم الله ولم يعاتبهم بكلمة واحدة وإنما أمر موسى وهرون
ليفجرا ماءً من الصخرة،
أما الآن إذ وهبهم نصرة وغلبة بعد أن رواهم
من الصخرة لهذا بتكرار التذمر قام بتأديبهمأرسل عليهم الحيات المحرقة
تلدغهم وتميتهم،
وفي نفس الوقت إذ صرخ موسى إليه لم ينزع
الحيات
بل أمره أن ي حيّة نحاسية على راية
حتى كل من لُدغ من الحيات ونظر إليها يحيا )ع 8 (
إنه لم ينزع التجربة لكنه فتح باب الخلاص
منها.
بهذا حوّل الله شرهم بركة،
مخرجًا من الآكل أُكلاً ومن الجافي حلاوة، مقدمًا من هذا العمل رمزًا لصليبه، إذ قال:
وكما رفع موسى الحيّة في البريّة هكذا ينبغي
أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة
الأبديّة" (يو 3: 14-15).
يقول القدِّيس أغسطينوس:
ذبح المسيح حتى يوجد على
الصليب ذاك الذي يتطلع إليه مَنْ لدغتهم الحية
كما يقول: ما هي الحيّة المرفوعة؟ إنها
موت المسيح على الصليب لأنه كما جاء الموت بواسطة الحيّة صار رمزه هو صورة
الحيّة.
كانت لدغة الحيّة مميتة، أما موت الرب فواهب
الحياة... إذ يتطلع الإنسان الحيّة تصير الحيّة بلا سلطان، ومن ينظر الموت
يصير الموت بلا سلطان
يقول القدِّيس أغناطيوس:عندما ارتفع جسد الكلمة كما رُفعت الحيّة في
البريّة، اجتذب إليه البشريّة لأجل خلاصهم الأبدي
وجاء في رسالة برناباس: صنع موسى رسمًا ليسوع ولآلامه الضروريّة، وعندما كان الإسرائيليّون يسقطون
كانوا يتطلَّعون إليه وكان يحييهم.
إن الرب لكي يُعلم إسرائيل بأن عصيانه أسلمه حزن
الموت سلَّط عليهم أنواعًا من الحيات لتلسعهم وكانوا يموتون. ومع أن موسى
قال: لن يكون لكم تمثالاً منحوتًا أو مسكوبًا للرب
(تث 27: 15)، فإنه يفعل عكس ما كتب. إنه اصطنع حيّة نحاسيّة ورفعها بمجد
ودعا الشعب
ولما
اجتمع الشعب طلبوا من موسى أن يرفع الصلاة من أجل شفائهم فقال لهم موسى
عندما يلسع أحدكم فليتقدم من الحيّة المرفوعة على الخشبة وليترك نفسه للرجاء
معتقدًا بأن الحيّة التي لا حياة فيها يمكنها أن تعيد إليه الحياة ويخلص
لتوه، وهكذا فعلوا. إن مجد يسوع يقوم على هذا. إن كل الأشياء هي فيه وله[161( يُعلِّق القدِّيس إغريغوريوس أسقف نيصص على هذا الأمر بقول: [أنجبت الشهوات المتمردة
حيات تنفث سمًا يُميت من تلدغهم، لكن مُستلم الشريعة جعل الحيات يقيّة بلا قوة خلال صورة الحيّة...
الصليب هو الألم، من يتطلَّع إليه كما يقول
الكتاب لا يؤذيه ألم الشهوات. التطلع الصليب إنما يعني أن الإنسان يجعل حياته كلها
ميتة ومصلوبة عن العالم (غل 6: 14) لا يحركها الشر. حقًا بهذا تكون كما
يقول النبي: سمروا جسدهم بخوف الله. أما المسمار فهو ضبط النفس الذي يضبط
الجسد...
هذا الشكل يشبه الحيّة، لكنه ليس بحيّة في
ذاته، وكما يقول العظيم بولس: "في شبه جسد الخطيّة" (رو 8: 3(
الخطيّة هي الحيّة يقيّة، والذي يهرب الخطيّة
يحمل طبيعة الحيّة... إذ يتحرر الإنسان من الخطيّة خلال ذاك الذي أخذ
شكل الخطيّة وصار مثلنا فحمل شكل الحيّة. لم يقتل الوحوش (الحيات) لكنه
جعل لدغاتها غير مميتة...
في الواقع إن لدغات الشهوة تعمل حتى في
المؤمنين لكن من يتطلع المُعلَّق على الصليب يحتقر الألم، فيخفف
السم بخوف الوصيّة)162(
يرى القدِّيس أغسطينوس في الحيّة النحاسية قبولنا لشركة آلام المسيح والموت معه، إذ يقول: [كل من
نظر الحيّة المرفوعة يُشفى من السُّم ويتحرر من الموت،
والآن من يصر شبه موت المسيح بالإيمان به وبمعموديته يتحرر من الخطيّة
متبررًا ومن الموت بالقيامة.
هذا ما يعنيه بقوله "من آمن بي لا يهلك
بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو( 3: 15. إذن لم تكن هناك ضرورة للطفل أن يتشبه بموت المسيح في
المعموديّة لو لم يكن قد تسرب سم لدغة الحيّة إليه
كأنه مادامت الحيات قد انطلقت الجميع
تلدغهم وتبث سمومها فيهم لهذا يحتاج الجميع- ناضجين وأطفالاً-
مياه المعموديّة المقدسة
لكي يشفوا من موت سم الحيّة خلال الصليب .
المن السماوي
"آبَاؤُنَا أَكَلُوا الْمَنَّ فِي
الْبَرِّيَّةِ" (يو 6: 31). هو ما كان يقوله اليهود للمسيح طالبين آية
مماثلة منه. كان الرب قد صنع كثيراً من المعجزات في البرية خلال
السنوات الأربعين تلك، حيث كان بنو إسرائيل يقهرون أعداءهم بقوة السلاح رغم أنهم
لم يكونوا شعب جنود بل شعب رعاة تحرّروا من عبودية طويلة الأمد، وكانوا
يشربون الماء المتدفق من الحجر ويخلصون من الموت إثر لدغات الحيّات ناظرين
إلى الحيّة النحاسية. وإن لم تقتصر المعجزات على تلك الأحداث الفريدة ولكن
المنّ بالذات هو ما ذكره اليهود متكلّمين مع المسيح.
يتناول الإصحاح السادس
من إنجيل يوحنا كلّه موضوع الخبز السماوي وهذا الخبز النازل من السماء وخبز
الحياة وخبز الله هو جسد ودم الرب يسوع المسيح. لا بد من التعمق في معاني
هذا الإصحاح والعيش داخل حياة الكنيسة التي هي جسد المسيح للتوصل إلى فهم
أن موضوع سرّ المناولة هو من المواضيع القليلة التي تشمل على المسيحية
بكاملها. إنّ قصة المنّ لا تكتسب أهميتها وجاذبيتها إلا في علاقتها
بالإفخارستية كنبوءة بها وكإشارة إليها.
تحتوي كلمة المنّ بحد
ذاتها على سؤال، إذ أن بني إسرائيل عندما رأوا لأول مرة " شَيْئاً دَقِيقٌاً
مِثْلُ قُشُورٍ، دَقِيقٌاً كَالْجَلِيدِ عَلَى الأَرْضِ"
"قَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ؟» لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مَا هُوَ"
(خر 16: 14-15). فطبيعة هذا الطعام غير معروفة وليس له اسم معيّن، ولذلك هي
معجزة وسرّ لا يُنطق به وتعجز الكلمات عن التعبير عنه.
وهكذا هو سرّ
الإفخارستية فإنه لا يخفى عن الناس بل يعطى لهم مثل المنّ، ولكن طبيعته يغطّيها ستر إلهي
بحسب قول القديس أمبروسيوس أسقف ميلان. وكان آباء الكنيسة أثناء الحديث
حول الإفخارستية يردّون على سؤال "ماذا؟" ممتنعين عن الخوض في
موضوع "كيف" بسبب خوف الله، وكانوا يقتصرون على الإجابة "بقوة الروح
القدس" والتي لا بد أن يكتفي بها الذين يريدون معرفة طريقة تحوّل الخبز والخمر.
لم يكن المنّ ينزل من
السماء "وَمَتَى نَزَلَ النَّدَى عَلَى الْمَحَلَّةِ لَيْلاً كَانَ يَنْزِلُ
الْمَنُّ مَعَهُ" (عد11: 9). من المعروف أن الندى لا يسقط على شكل مطر بل
يظهر مع تغيّر درجة الحرارة. هكذا هو المنّ السماوي الذي أصله من السموات ولكنه لا
ينزل منه نزولاً مرئياً. وهكذا هي القدسات الإلهية الخبز والخمر التي لا
تتنقل من مكان إلى آخر بل الروح القدس الكلي القدرة الذي يتم استدعاؤه
يتمّم هذا السر بحلوله.
يقول سفر الخروج إن طعم المنّ
"كَرِقَاق بِعَسَل" (خر16: 31). إن رائحة العسل كان من شأنها تذكير اليهود
بمميزات الأرض التي كانوا يتوجهون إليها لأنها "تفيض لبناً
وعسلاً". أي أن الطعام في الطريق له علاقة بصفات الحياة المستقبلية الآتية، وهذا ما
نجده في الإفخارستية لأن الفرح والنعمة التي نشعر بهما في القداس هي بمثابة
فتات تسقط من المائدة السماوية، وتعطي فكرة عن لذة المأدبة
الحقيقية.
أما سفر العدد فيقول
عن طعم الرقاق بزيت، فيمكن الافتراض بأن طعم المنّ كان مختلفاً عند الآكلين،
وتتجلى من صفات المنّ طبيعته الحية، فعلى سبيل المثال "لَمَّا
كَالُوا بِالْعُمِرِ، لَمْ يُفْضِلِ الْمُكَثِّرُ وَالْمُقَلِّلُ لَمْ
يُنْقِص" (خر16: 18). لم يكن بإمكان اليهود جمع المنّ لليوم القادم إلا قبل يوم
السبت لأنه كان يتولّد فيه دود، وبالتالي يمكن اعتباره "خبزاً
جوهرياً" لكل يوم يصلّي من أجله المسيحيون، فلا يمكن جمع احتياط من هذا الخبز وليست هناك
مستودعات خاصة به، بل يجب التضرع من أجله يومياً، كل مرة من جديد.
إن سرّ المناولة يعالج
طبيعة البشر بشكل سرّي ونقدم عليه "لمغفرة الخطايا" بحسب قول المسيح في
العشاء السرّي. تبقى الآلية غامضة بالنسبة لنا أما ثمارها فنشعر بها. يجب
الاعتراف بأن الإنسان لا يعرف نفسه معرفة كاملة وقد يكون لغزاً في غاية الغموض
بالنسبة لنفسه. كما لا نعرف مدى خطايانا ولا ندرك ولا نتذكر إلا جزءاً قليلاً
منها فيتفلت كثير منها من وعينا ومن ذاكرتنا، فضلاً عن الخطايا
الداخلية الكامنة في عمق قلوبنا التي حتى وإن لم تتحقق بالفعل فهي تشكّل أكبر خطر
وأكبر فساد بالنسبة للإنسان. ولكن المسيح في سرّ المناولة ينزل إلى أعمق أعماق قلب
الإنسان ويقوم بإبرائه، كما كان قد نزل إلى الجحيم بعد موته على الصليب. لا يشفى القلب المريض بالخطايا في الحال بل مع الوقت ولا يمكن أن
يستغني من تذوق الخبز السماوي مرة واحدة عنه فيما بعد.
إن الطريق عبر البرية
عبارة عن مسيرة مهيبة تشبه حياة الإنسان المؤمن من نواحٍ كثيرة. إنه طريق
طويل مليء بالأخطار يؤدي من أرض العبودية إلى أرض الحرية، الأولى منهما (مصر)
ترمز إلى حياة الخطيئة والثانية (فلسطين، أرض الميعاد) ترمز إلى
الخلاص في المسيح والسكن في المنازل الأبدية. وعبور البحر الأحمر هو رمز
المعمودية، أما أكل المنّ فهو سرّ الإفخارستية.
نجد المنّ جزءاً لا يتجزأ من
الطريق. "وَانْقَطَعَ الْمَنُّ فِي الْغَدِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ مِنْ
غَلَّةِ الأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ
مَنٌّ" (يش 5: 12). لم يعد بنو إسرائيل يأكلون ذلك الطعام الغامض بعد استقرارهم في
فلسطين، ولم يبق إلا جزء صغير منه محفوظاً من بين المقدسات الأخرى في وعاء
ذهبي داخل تابوت العهد ليذكّرهم بالمعجزات الماضية. لم يكن بإمكان
أحد رؤية ذلك الوعاء باستثناء رجل واحد هو رئيس الكهنة الذي كان يحقّ له
وحده دخول قدس الأقداس مرة في السنة.
وأما نحن الذين نتناول
من القدسات الإلهية في طريقنا الأرضي، فهل نُحرم منها في الأبدية؟
لا، يقول الكتاب، كما
نقرأ قي سفر الرؤيا: "مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ
الْمُخْفَى" (رؤ 2: 17)، والمنّ
المخفى لا بد أن يختلف عن ذلك المنّ الظاهر للجميع.
حتى في الفردوس لا
بدّ أن يتناول الإنسان شيئاً، ولكن بشكل يختلف كثيراً عمّا هو الآن. لو لم يكن
هناك أي حاجة إطلاقاً للتناول فهذا يعني أن الكائن قائم بذاته ومصدر الحياة
موجود فيه، ولكن ليس أي من الكائنات المخلوقة هكذا. إن عالم الملائكة
يتناول من النعمة أو بحسب قول القديس غريغوريوس بالاماس من الطاقة الإلهية،
وإن الإنسان ككائن له صفات الملائكة وصفات الحيوان يحتاج اليوم إلى طعام
أرضي وإلى زاد روحي على حد سواء لأن " لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ
يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ "
(مت 4:4). وإن الحاجة إلى الزاد الروحي تؤكد على القرابة الروحية بين الإنسان
وعالم الملائكة، إذ قيل: "وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ،
وَبُرَّ السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ. 25 أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَة
" (مز 77: 24-25).
إن الأسرار الإلهية
المقدسة هي خبز ملائكي حقيقي وهو خبز ذو أصل أرضي ومملوء نعمة في آن واحد، ويغّذي
الإنسان جسدياً وروحياً. كما تدور
الكواكب حول الشمس هكذا تدور حياة الكنيسة حول كأس الإفخاريستية، وينقذنا هذا الزاد من
الموت إثر الجوع في برية حياتنا المؤقتة، كما يجهّزنا للحياة الآتية ويجعلنا
شركاء في "الهبة السماوية" و"قوات الدهر الآتي" (عب 6: 4-5)
ونحن ما زلنا في هذه الأرض.
لذلك فلا بد من أن
يتصدّى في قلوب المسيحيين طوال الطريق الأرضي كلام المخلّص: "اِعْمَلُوا لاَ
لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ
الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ" (يو 6: 27).
المسيح هو الصخرة
نواصل في هذا الفصل تأملاتنا في ظهور السيد
المسيح في العهد القديم قبل تجسده. وسنتطرق إلى بعض وظائفه بصفته ملاك الرب.
العهد الجديد يشهد بمرافقة
المسيح لمؤمني العهد القديم لا شك أن الرسل
في العهد الجديد آمنوا بوجود المسيح السابق لتجسده. وإن من المؤكد أن بولس
الرسول العظيم للسيد آمن بكل قوة أن السيد ظهر في العهد القديم على صورة ملاك
الرب. يتحدث بولس بوحي الله عن بني إسرائيل في زمن موسى فيقول:
"وجميعهم أكلوا طعام واحد روحي، وجميعهم شربوا شراب واحد روحي، لأنهم كانوا
يشربون من صخرة روحية تابعتهم. والصخرة كانت المسيح. لكن بأكثرهم لم
يسر الله، لأنهم طرحوا في القفر."1 كورنثوس 10: 3-4.
كان يقوتهم يتحدث بولس، رسول المسيح، كيف أن
المسيح نفسه كان يقوت بني إسرائيل ويحفظهم. زودهم بالطعام في جوعهم وبالماء
في عطشهم بطريقة خارقة. أنزل عليهم المن من السماء. وفجر لهم
عين ماء من صخرة. فكان مصدر حياة الجسد لجماعة المؤمنين. أتى بموارد
السماء ووضعها بين أيديهم، مبين أنه مصدر البركات. وقد فعل أمر مشابه في
العهد الجديد. فقد أشبع ذات مرة خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال بخمسة أرغفة
وسمكتين.متى 14: 13-21. فقد تكاثر الطعام بين يديه أضعاف مضاعفة. وفي
مناسبة أخرى أشبع أربعة آلاف رجل بسبعة أرغفة وقليل من صغار السمك.متى 15: 32-38.
فكان الدرس الذي علمه لتلاميذه والمؤمنين به هو أل يقلقوا من أين يحصلون على أسباب
الحياة ما داموا معه.متى 16: 5-10. فهو المتحكم في مخازن السماء. وهو
الذي يبث الخصب في الأرض. ويعرف صفات الطعام وكيف يمكن أن يتكاثر.
ويدل هذا بقوة على هويته بصفته الله.
المسيح هو الصخرة نعود الآن إلى نصنا
الأصلي. يقول النص إنهم كانوا يشربون، أي مرار وتكرار، من صخرة
تابعتهم. ولعل الترجمة الأدق هي "رافقتهم". فلم تنفذ
مؤونتهم حيثما كانوا. ويحدد بولس أن المسيح نفسه كان تلك الصخرة. وهذا
قول جريء من قبله، لأن الصخرة هي اسم من أسماء الله في العهد القديم. يتحدث
موسى مثل في سفر التثنية عمن رفض الإله الذي أنقذه فيقول: "فرفض الإله الذي
عمله، وغبي عن صخرة خلاصه."تثنية 32: 15. ويقول إشعياء: ’توكلوا على
الرب إلى الأبد، لأن في ياه الرب صخرة الدهور." إشعياء 26: 4. وهو بهذا
يساوي ما بين المسيح وبين الله أو الرب أو يهوه في العهد القديم.
صخرة عاقلة ويشير التقليد اليهودي إلى أن هذه كانت صخرة
تتحرك وبها بئر. لكن ما يؤكد كلام الوحي أن تلك الصخرة كانت المسيح أو تمثله
هو ما حصل لموسى. كان الله قد قال لموسى: "خذ العصا واجمع الجماعة أنت
وهارون أخوك، وكلما الصخرة أمام عينهم أن تعطي ماءها، فتخرج لهم ماء من الصخرة
وتستقي الجماعة ومواشيهم." عدد 20: 8. لنلاحظ أن الرب طلب إلى موسى أن
يكلم الصخرة، أي أن الصخرة أكثر من مجرد صخرة, وستفهم ما يطلبه موسى منها.
لكن ما فعله موسى بعد ذلك لم يكن أمر مقبول لدى الله. يقول الوحي:
"ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين، فخرج ماء غزير. فشربت الجماعة
ومواشيها."عدد 20: 11.
خطيئة موسى وهكذا ضرب موسى الصخرة مرتين بدل من أن
يكلمها كما قال له الرب. لم يكن له عذر في ما فعله. إذ ضرب في غضبه
الصخرة التي مثلت حضور الله ببركاته معهم. ويفعل كثيرون من البشر أمر
مشابه. فهم ينفثون في وجه الله غضبهم على الآخرين. صحيح أن الله
استجاب لما فعله موسى بأن أخرج ماء غزير من الصخرة. لكنه قرر معاقبته وأخاه
هارون. "فقال الرب لموسى وهارون: ’من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى
تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي
أعطيتهم."
صورة مسبقة للصلب وبركاته كانت خطية موسى عظيمة بضربه
للصخرة حتى إن الرب لم يسمح له بأن يدخل أرض الموعد. فهل نجد في ما فعله
موسى بالصخرة صورة رمزية مسبقة لما سيفعله بنو إسرائيل لاحق بالمسيح بضربهم وصلبه
له؟ كان ضرب موسى للصخرة خطيئة عظيمة تمت بدوافع خاطئة. لكن نتج عنها
تدفق ماء غزير من الصخرة لكي يرتوي بنو إسرائيل ويظلوا على قيد الحياة هم
ومواشيهم. وكان صلب المسيح جريمة نفذها بنو إسرائيل بدوافع خاطئة.
سمرت يداه ورجلاه. وطعن جنبه بحربة. فتدفق دم غزير كان وسيلة لغفران
الخطايا والفداء. يقول بولس رسول المسيح بوحي الله: "الذي لنا
فيه (أي المسيح) الفداء، بدمه غفران الخطايا."كولوسي 1: 14. وصار بعد
ذلك ممكن أن يسكب روحه القدوس لكي يشرب منه كل من يعطش إلى الله وحضوره وبره
والحياة الأبدية. وقد أكد يسوع نفسه هذا. يقول الوحي: "وفي
اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائل: ’إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب.
من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي." أما كل
ماء آخر فهو مالح يزيد المرء عطش على عطش.
الشعب في العهد القديم جرب الله ويكمل بولس رسول المسيح
حديثه عن بني إسرائيل ومعاملات السيد معهم قبل تجسده. يقول في آية عظيمة
الدلالة: "ولا نجرب المسيح كما جرب أيض أناس منهم فأهلكتهم الحيات."1
هذا كلام خطير يزيده وضوحه خطورة. يقول الوحي إنه لا يجب أن يجرب مؤمنو
كنيسة كورنثوس المسيح كما جربه بنو إسرائيل قديم. ويعني أن يجرب المرء
المسيح أو الله أن يعرضه لامتحان مطول قاس، حتى يرى المدى الذي يمكنه أن يذهب إليه
في تحديه لمتطلباته. إنه يعني محاولة متعمدة لمعرفة الحدود التي يبد عندها
غضب الله بالاشتعال. وقد أدى هذا في حالة بني إسرائيل إلى تأديب بني إسرائيل
بإرسال حيات عليهم. لكن ما الذي يقوله نص العهد القديم عن ذاك الذي جربه بنو
إسرائيل. إن التجربة بهذا المعنى مرتبطة دائم في العهد القديم بالرب أو يهوه
أو الله. وقد اقتبس يسوع نفسه آية من العهد القديم. قال: "إنه
قيل: لا تجرب الرب إلهك." لوقا 4: 12. تقول الآية التي اقتبسها السيد
في سفر التثنية: "لا تجرب الرب إلهك كما جربتموه في مسه." تثنية 6: 16.
والإشارة هنا هي إلى نفس الحادثة السابقة والمكان السابق. وعلى هذا، فإن
المسيح الذي جربه بنو إسرائيل وفق كلام العهد الجديد هو الرب يهوه إله إسرائيل في
العهد القديم. وإنه لجدير بنا أن نأخذ هذا في اعتبارنا. وإنه لأمر
ضروري أن يعرف المرء إلهه.
الثور الثاني " ذبيحة جدعون "
إذ ظهر الله لجدعون،
وتقدس الموضع بهذا الظهور لم يكن ممكنًا أن يبقى البعل مع الظهور الإلهي، ولا أن
تقدم محرقات للرب مع ذبائح للبعل، لذلك سأل الرب جدعون أن يتصرف في الثور الذي كان
أبوه يعبده للذبح قربانًا للبعل، وأن يهدم مذبح البعل (الشمس) الذي أقامه والده،
ويقطع السارية التي عنده وهي عمود خشبي يقام في موضع مرتفع عنده تقدم العبادة
للبعل والعشتاروت زوجته، كما أمره بتقديم ثور إبن سبع سنوات بإسم الرب بعد أن يبني
مذبحًا للرب، وأن يستخدم خشب السارية وقودًا للمحرقة.لم يكن هذا الأمر الإلهي
تصريحًا لممارسة العمل الكهنوتي على مستوى الجماعة، فهو ليس من سبط
لاوي الذي كانوا في الغالب هاربين من الضيق غير قادرين على
ممارسة العبادة العامة بطقوسها السليمة. ولا قدم المحرقة عند خيمة الإجتماع في
شيلوه... وإنما كان هذا الأمر يمثل عملاً فرديًا إستثنائيًا، غايته إذلال البعل
والعشتاروت، خاصة أنه استخدم خشب السارية التي حطمها جدعون وقودًا للمحرقة عوض
النار المقدسة.
ومن جهة أخرى فإن هذا
العمل كما يقول القديس أمبروسيوس عمل نبوي وسرّ سماوي عتيدًا أن يتم، إذ يقول:
[لاحظ الرجل الحكيم النبوي السرّ السماوي العتيد لذلك أطاع كلمات الوحي وقتل الثور
الذي وضعه أبوه بجوار الوثن، مقدمًا ثورًا آخر إبن سبع سنوات ذبيحة للرب. بهذا
العمل أظهر بوضوح شديد أنه بمجئ الرب تبطل كل الذبائح الوثنية وتبقى ذبيحة آلام
الرب تُقدم الله كعمل تقوى للشعب. حقًا كان هذا الثور رمزًا للمسيح، لذلك كان إبن
سبع سنوات، إذ في المسيح يحل ملء الفضائل السبع الروحية كقول إشعياء. لقد قُدم
المسيح مرة في رمز جدي معزي، وأخرى كغنمة، وأيضًا كثور. كجدي معزي بكونه ذبيحة عن
الخطايا، وكغنمة لأنه كان ذبيحًا باختياره (الوداعة)، وكثور بكونه تقدمة بلا عيب.
هكذا سبق فرأى جدعون السرّ.
هياج المدينة
عليه:"فأخذ
جدعون عشرة رجال من عبيده وعمل كما كلمه الرب، وإذ كان يخاف من بيت أبيه وأهل
المدينة أن يعمل ذلك نهارًا فعمله ليلاً... فقال أهل المدينة ليوآش: أخرج إبنك لكي
يموت، لأنه هدم مذبح البعل وقطع السارية التي عنده" [٢٧، ٣٠]. يبدو أن يوآش
كان منخرطًا في عبادة البعل بينما كان إبنه مقاومًا لهذا العمل، وكان هذا سببًا في
اعتزال الإبن عن أبيه، فكان له عبيده الخاصين به، إختار منهم عشرة رجال، ربما
أكثرهم غيرة على عبادة الله الحيّ، فقام جدعون وعبيده بالعمل ليلاً خوفًا من بيت
أبيه الأبيعزريين الذين تركوا عبادة الله وانحرفوا إلى عبادة الوثن، ومن أهل
المدينة ربما يقصد الكنعانيين الذين كانوا يقطنونها قبلاً وبقوا مع الأبيعزريين.
من هم هؤلاء العبيد
العشرة إلاّ الناموس بوصاياه العشرة، فقد أرسله الرب خادمًا للإنسان، يقوده إلى
هدم مذبح الشر الداخلي والتمتع بذبيحة الصليب المحيية. أما بيت الأب وأهل المدينة
فيمثلون ما أعلنه السيد المسيح أن أعداء الإنسان أهل بيته. أشد المقاومين للإنسان
شهوات جسده وانحلال فكره وانحراف مشاعره، أما أخطر عدو فهو "الأنا ego" أو الذات البشرية، التي تربض داخل الإنسان لتقتل فيه كل فكر
روحي حيّ. لنتمسك إذن بالناموس الروحي في المسيح يسوع كعشرة رجال، ولنعمل بالرب
بالرغم من كل مقاومة داخلية في الجسد أو الفكر أو الأحاسيس حتى تُصلب الذات ويتجلى
الرب نفسه فينا كما في مذبحه أو هيكله السماوي. نعود إلى جدعون لنجد أهل المدينة
يبكرون، ربما ليعبدوا البعل عند شروق الشمس، بكونه إله الشمس وإذ رأوا ما حدث
لإلههم ثاروا على جدعون، ربما لعلمهم أنه الرجل الغيور ضد الوثنية، ولما سألوا
أباه أن يقتلوه، تأثر الأب بشجاعة إبنه فوقف مستهزئًا بهم، قائلاً: "أنتم
تقاتلون للبعل أم تخلصونه... إن كان إلهًا فليقاتل لنفسه لأن مذبحه قد هُدم"
. إذ أخذ جدعون خطوة أيجابية في دحض الشر، تشددت النفوس الضعيفة كنفس أبيه، وأدرك
البعض بطلان العبادة الوثنية العاجزة. وقد دعا يوآش هذا اليوم "يربعل"
التي تعنى (يحارب البعل) أو كما يقول القديس إيريناؤس: [لأن يربعل تعني كرسي الحكم
على البعل0
الكرمة
الحقيقية
السيد المسيح هو الكرمة التي زرعت في الكرم و لم تكن
نبتة تلقائية ولكن كانت نبتة إلهية والكرمة نبات ينتشر و يمتد
وثمر الكرمة أيضاً يفرح الله والناس كما جاء في سفر القضاة(13:9( ولقد وصف السيد المسيح بأنه كرمة حقيقية معنى
ذلك أنه توجد كرمة غير حقيقة وهذا ما قاله حبقوق النبي (17:3( أن الثمار تكذب وهي تكذب عندما تكون ثمار من
الشيطان وليست ثمار المسيح والمسيح لم يخدع أحداً في دستوره الذي قدمه
لنا في العظة على الجبل و أوضح أن لكل خطية عقابها ولكل خدمة بركتها ،
ويستكمل السيد المسيح كلامه قائلاً "كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي
بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر" (يو 2:15(وأعلن أيضا أننا أغصان فيه و أعتقد أننا
لانستحق هذا الإعلان فكل من يفعل خطية يقوم بقطع غصنه من كرمة المسيح لأنه
لايستحق وأيضا وجهنا إلى كيفية عمل الثمار أو زيادتها فالثمار تأتي عن طريق
الثبات فيه والثبات يأتي من خلال سر التناول (ولذلك يصنع من عصير الكروم فلا يقدر أحد أن
يقدم في القداس زجاجة بها شيء غير عصير الكروم) و إن لم تثبت الأغصان تصبح عديمة النفع:
» اثبتوا فيَّ وأنا
فيكم. كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إنْ لم يثبت في الكرمة، كذلك
أنتم أيضاً إنْ لم تثبتوا فيَّ «(يو 4:15(. الثمر هنا هو الأعمال التي تمجِّد الله التي
من أجلها زُرعت الكرمة أصلاً!! ويعلمنا أننا لن نستطيع أن نفعل شيئا
بدونه لأنه هو الأول و الآخر وهذا ليس تعجيز وإنما حقيقة وتوجيه لنا
أنا الكرمة وأنتم الأغصان.
من يثبت فيّ يأتي بثمر كثير.
إذا أردت أن تربح، عليك أن تخسر. عليك أن
"تشذّب". هذا ما يعرفه الكرّامون كلهم. فالطبيعة تعلّمنا الشجاعة والتجرّد.
وقطع أمور عديدة في حياتنا، عمليّة خلاصيّة هامة. يجب أن تكون الأمور
واضحة وصريحة. ولكن بطرس ظنّ نفسه نقياً، طاهراً، واضحاً. لقد أخطأ. لسنا أبداً
شفّافين بما فيه الكفاية. نحن أنقياء بكلمة يسوع.
هذه الكلمة هي متطلبة
جدّاً. "يجب أن يغسل بعضكم أرجل بعض" (13: 14). هناك أجزاء
كاملة من حياتنا ستنهدم حين يمرّ "مقطع" الإنجيل. حين تقيم فينا كلمات
الإنجيل، حين نتعمّق فيها، نتأمّلها وندخلها إلى أعماقنا، سنزيل كل ما هو
غريب "ومتوحّش" فينا. وسنأخذ قوة جديدة نغذّيها بالصلاة.
نحن لا نبقى في يسوع إلا بصلاة واثقة، حارّة، دائمة. إذا
اعتدنا على الصلاة... الصلاة تجعلنا نكتشف من جديد
"المتوحّش" الذي روّضناه. نستطيع ان نترك ذواتنا تسير إلى الله الذي وحده
يقوّينا. وخارجاً عنه نزعج حتى الأرض التي نجرجر قدمينا عليها. فالأغصان اليابسة
يجب أن تُنزع وتُحرق في النار. هكذا نعتبر أننا أنهينا عملنا على أفضل ما يرام.
نجد في الكتاب المقدس أمثلة تحدّثنا عن حب الله الحاني
الذي به يهتم بكرمته. ففي أشعيا (ف 5) نقرأ قصة حبّ جميلة. قصة رجل
خاطر بكل شيء من أجل كرمته، فخاب انتظاره. ونجد المثل عينه في مت 21: 33- 45:
وضع ملاّك قلبه كله في كرمته. ولم يوفّر أي تعب. وظلّ يظنّ رغم كل شيء
أن الكرمة ستعطيه ثمراً.
والمثل الذي نقرأ اليوم
(أنا هو الكرمة) يبدو أقل تشاؤماً، لأنه يتحدّث عن أغصان تُثمر. ولكن الإطار الذي قيل فيه هذا
المثل هو دراماتيكي. يعرف يسوع أنه قد حُكم عليه بالموت. وهو يريد أن يتجنّب
لتلاميذه التشتّت. إن ثمرة تماسكهم تظهر حين "يقيمون" في
المسيح، حين يقيمون فيه على الدوام.
ونقول كما تقول العامة: لا نقطع الغصن الذي نجلس عليه.
فمصلحتنا الحقيقية هي أن نبقى متجذّرين عميقاً في المسيح. والماويّة التي
تتحرّك فتصل إلينا تنتج الأمانة. نحن نتسلّم نفوسنا دوماً من ينبوع الحياة
الذي لولاه يكون كل شيء يابساً وميتاً.
كل شيء ينطلق من الآب الذي يعمل في العالم، وكل شيء يعود
إليه في التمجيد. حين نبقى في المسيح، نكون له تلاميذ. نحن نتعرّف الى
الروح حين نرى الكنيسة تنمو. ونتعرّف إليه في المحبة الأخوية التي
نعيشها في الصلاة. هذه الصلاة هي ثمرة الكرمة. هي هذا الذي يتيح لنا
الإتصال بالمسيح، ويبقينا في حالة الرغبة، ويذكّرنا أننا بدونه لا نستطيع شيئاً.
حمل الثمر. ردّة تتكرّر في التوراة منذ الوقت الأول الذي
فيه نظر الله إلى آدم وحواء على أنهما ثمرة حبّه: "أنموا
واكثروا" (تك 1: 22). ولكن خاب أمله مراراً. "إنتظرتُ من كرمي عنباً فأعطى
حصرماً برياً". ولكنه سينتظر ثماراً منّا حتى النهاية.
هو ينتظر عنب الحبّ. سيفتخر الرب حين يرى ما اخترعه
أولاده (السيارة...)، ولكنه
لا يفتخر بحروبهم. خلقنا لكي نكون شعباً من الناس يحبّون بعضهم إلى الإبد.
هذا هو الثمر الذي ينتظره.
وإن انطلقنا في هذه
المغامرة ونحن متّكلون غلى قوانا الخاصة، على ماويتنا، لن نصل إلى نتيجة. نحن نحتاج إلى ماوية الله.
هذا ما يريد يوحنا أن يعلّمنا اليوم. "فالغصن لا يستطيع أن ينتج شيئاً
إن لم يثبت في الكرمة. أثبتوا فيّ، بدوني لا تستطيعون شيئاً".
وحين نتعلّق بيسوع، الكرمة الحقيقية، نحتاج أيضاً إلى الآب.
فهو الكرّام الصالح الذي يعمل فينا. فالأحداث التي نتقبلها ونعيشها
هي يداه. كم مرة يجدر بنا أن نقول: "مبارك أنت يا الله". ولا
نتذمّر أو نتهرب.
عندما نتغذّى من
الماويّة الطيّبة، ونشذَّب، يبقى علينا أن نثمر، يجب علينا أن نجعل
حياتنا تثمر. هنا يأتي دور المجهود الشخصي. سيكون خصباً إذا كان واقعياً
وحازماً. يكون واقعياً حين نزك أدوات الشرط (إن، إذا...). فحياة مبنية
على أدوات الشرط لا تعطي ثمراً: لو كنت غير ما أنا عليه... لو كان الآخرون...
لو كانت الحياة... كل هذا لا نفع منه. هناك سؤال واحد مفيد أطرحه
على نفسي: في هذا الوقت، حيث أنا، وكما أنا، وكما هم الآخرون الذين أعيش
معهم، أي ثمار حبّ يجب أن أعطي؟
وبعد أدوات الشرط، يبقى العدوّ الأكبر لخصبنا
"غداً" (بكرا). هذه كلمة غريبة كلياً عن الإنجيل حيث نقرأ:
"حالاً". متى نتحدّث عن السرعة؟ مثلاً يقول لو 1: 39: "ومضت مريم مسرعة إلى
جبل يهوذا". وهكذا انطلق الإنجيل وستعطي الكرمة ثمرها.
وستعطي كرمتنا ثمرها حين نترك عدم القرار، والتراخي،
والفكرة الغبيّة التي تعلن أن غداً سيكون أفضل من اليوم: الله هو
إله اليوم الحاضر. وهو يدعونا اليوم لكي نشتغل فنجعل كرمتنا تثمر. اليوم
نحن نسمع صوته.
نصلّي إليك يا رب من أجل
كرمة الكنيسة. لتواصل عملها وتمدّ أغصانها. من أجل الأغصان اليابسة. ساعدها لكي تستعيد الماويّة
والحياة. نصلّي من أجل الأغراس الجديدة التي هي كنائسنا الفتيّة في
عالم الرسالات. أعطها أن تجد العمّال الذين تحتاجهم. من أجل الأغصان
الفتية في جماعتنا. من أجلنا نحن الأغصان في كرمتك. نصلّي لنبقى متحدين بك
ولنعطي ثماراً ترضي أباك السماوي، ذك الكرّام الذي يعتني بنا ولا يتعب.
)جعلوني ناطورة الكروم. أما كرمي فلم أنطُره (نش 1: 6 يبذل العدو كل مجهود لكي يسلب من المؤمن أوقاته وقواه
ومواهبه التي ائتمنه الرب عليها، فعوضًا عن أن يستخدم المؤمن تلك الأوقات
والمواهب لمجد الرب، نراه ينفقها بكل سخاء في الأمور العالمية
ظانًا أن العالم سيُعطيه أجرًا على مجهوداته الكثيرة. وما أكبر الخسارة التي
تعود على نفس المؤمن الذي يتعب ويكدّ في الحصول على ثمرة مجهوداته
الجسدية، فإذ به يجد أن «الكل باطل وقبضُ الريح (انقباض الروح)». مَن مِن
المؤمنين الذين أنفقوا قواهم في الأمور العالمية لم يكن تعبهم باطلاً؟ يا
للأسف، قد أضاع الكثيرون حياتهم في خدمة العالم وخرجوا منه عُراة بلا ثمر.
ربما ظنوا في بادئ الأمر أنهم مع تعبهم في العالم يستطيعون أن يتعبوا للرب
ويخدمونه بأمانة، ولكن مَن ذا الذي يستطيع أن يحرس كَرمين في آنٍ معًا؟ لقد
حرست العروس كروم العالم فلم تستطع أن تحرس كرمها «أما كرمي فلم أنطره»، لأنه «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين»
( مت 6: 2(
. ويا له من اعتراف مؤلم ومُحزن «أما كرمي» ـ أي العمل الذي
لأجله أوجدني الرب هنا، الموهبة التي منحها لي لأخدمه بها، الأوقات
التي أعطاني إياها وسيحاسبني عليها، الأموال التي أوجدها الرب بين يدي
وجعلني وكيلاً عليها وليس أكثر، الأولاد الذين أعطاهم الرب لي لأربيهم في
تأديب الرب وإنذاره، النفوس الضالة التي أوجدني الرب شاهدًا لها بغنى نعمته
تعالى. هل نح---ن أُمناء في هذه وغيرها مما أودعنا إلهنا؟ يا
ليتنا لا نضيّع حياتنا سُدى، بل نكون «مُكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن
تعبكم ليس باطلاً في الرب» ( 1كو 15: 58”.
ثم إن لهذه العبارة معنىً عمليًا آخر «جعلوني ناطورة الكروم. أما كرمي فلم أنطُرهُ» إنه من السهل علينا أن نُقيم أنفسنا
حراسًا على حالة الآخرين فنراقب كل حركاتهم، بل وربما ننتقد الكثير من
أعمالهم، بينما نهمل السهر على حالة نفوسنا أولاً «لاحظ نفسك (أولاً)
والتعليم (ثانيًا) وداوِم على ذلك. لأنك إذا فعلت هذا، تخلِّص نفسك (أولاً)
والذين يسمعونك أيضًا» ( 1تي 4: 16 ). أما إذا لم نسهر على حالة نفوسنا وانشغلنا
بمراقبة حالة الآخرين وتصرفاتهم، فإنه يتم فينا قول الرب: «يا
مُرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذٍ تُبصر جيدًا أن تُخرج القَذَى من عين
أخيك!» ( مت 7: 5 (
عيد
الباكورات " سلة الثمار " ( لا 23 : 9 ـ 14 )
وهذا العيد لا يمارس إلا فى ارض كنعان حيث
يدخل الشعب الارض ويمتلكها ويزرعها ثم يأتون بأول خيرات الارض ويقدموها الى الكاهن.
وهذا العيد يشير الى قيامة المسيح من الاموات
" ان لم تقع حبة الحنطة فى الارض وتمت فهى تبقى وحدها ولكن ان ماتت تاتى بثمر
كثير" ( يو 12 : 24 ) فالمسيح أيضاً هو باكورة الراقدين.
وكانت حزمة الباكورات هى
التقدمة الوحيدة التى تقدم الى الله دون سابق اعداد فكان
الفلاح يبكر فى غد السبت ليأتى بحذمة اول الحصاد للكاهن ليرددها امام الرب
ليرضى عنه.
فحزمة اول الحصاد التى تشير الى المسيح الذى يمثلنا
امام الله فقيامته من الاموات تعنى ان الله قبل عمله بالنيابة عنا والا ما
كان قد اقامه من الاموات فقيامته المسيح هى الدليل على تبريرنا
“ ان لم يكن المسيح قد
قام فباطل ايمانكم .. انتم بعد فى خطاياكم " ( 1كو 15 : 17) كما كان
يقدم مع حزمة الباكورات وخروف المحرقه يعطينا رمز الى كمال خضوع
المسيح لارادة الله وعشرين من الدقيق ملتوت بزيت اشارة الى كمال انسانيةه
المسيح الفريدة وسكيب من الخمر اشارة الى الفرح " ففرح التلاميذ اذ
رأوا الرب" ( يو 20 : 20)
يعطون
نصيب الرب
وخبزاً وفريكاً وسويقاً لا
تأكلوا إلى هذا اليوم عينه إلى أن تأتوا بقربان إلهكم فريضة دهرية في أجيالكم في
جميع مساكنكم".
هذه العبارة تعني انه
كان يجب أن يأخذ الله نصيبه أولاً قبل أن يتمتع شعبه ويشبع.
السويق أي السنابل
الخضرا تشير إلى قوة الحياة.
الفريك هي نفس السنابل
عندها تقطع وهي خضرا إشارة إلى المسيح الذي قطع في نصف أيامه (مز 102 : 23) والخبز
يحدثنا عن غلة الأرض بعد سحقها ودخولها النار لتصبح مادة لشبع الإنسان.
وهذه الأمور الثلاثة تحدثنا عن حياة المسيح في العالم ثم
عن موته في نصف أيامه ثم عن قيامته ليصبح طعاماً وشبعاً للإنسان.
عيد
الباكورة
أن هذا العيد يوافق حصاد الشعير. وقد إرتبط عيد الباكورة
مع عيدي الفصح والفطير وعيد الخمسين. فعيد الباكورة يحتفل به خلال أيام عيد الفطير
ويأتي عيد الخمسين بعده بخمسين يوماً. ويعتبر أول الأعياد الزراعية. وطقس العيد
كان لتقديم الشكر لله واهب الخيرات. وكان ثلاث شيوخ من مجمع السنهدريم يخرجون
للحقول المجاورة ليأتوا بأول حزمة من المحصول ويقدمونها للهيكل، وبتقديمها للهيكل
يتقدس كل الحصاد.
فبتقديم الباكورة يكون الله أولاً. وهذه الحزمة تمثل شخص السيد المسيح الذي قدَّم
حياته تقدمة سرور للآب لكي يبارك كل الحصاد
أي الكنيسة.
كان هو حبة الحنطة التي سقطت في الأرض لتأتي بثمار كثيرة (يو24:12). ونلاحظ أن
الباكورة كانت تقدم من الشعير أكل الفقراء والمساكين فالمسيح جاء ليرفع المسكين.
وكما سنرى فإن المسيح صُلِبَ فعلاً يوم
الجمعة وتوافق هذا مع تقديم خروف الفصح بل هم صلبوه وتركوه في حراسة الجنود
الرومان، وذهبوا ليأكلوا الفصح (14 نيسان) وفي اليوم الثالث (16 نيسان) بينما كان
اليهود يتبادلون التهنئة بعيد الباكورة. كان التلاميذ يتبادلون التهنئة بقيامة
المسيح باكورة الراقدين أو باكورة القائمين من الموت. فالمسيح بقيامته أظهر أنه هو
الباكورة الحقيقية فهو قام يوم عيد الباكورة. ونلاحظ أن الشعب إحتفل بعيدي الفصح
والفطير في البرية ولكن عيد الباكورة إحتفلوا به لأول مرة بعد أن دخلوا الأرض.
فعيد الباكورة أي القيامة لابد وأن تكون في الأرض الجديدة والسماء الجديدة.
موت المسيح كان رمزه الفصح فهو
فصحنا الذي مات ليخلصنا من إنساننا العتيق أو من خميرة الفساد التي تسللت إلينا
ويحولنا إلى فطير، وقام من الأموات ليهبنا نحن أيضاً فيه القيامة (كو15:1+
1كو20:15) ورفعنا لحضن أبيه لنحيا في السماويات (أف6:2) ونلاحظ أن هذا العيد أيضاً
هو الثالث في الأعياد. وهو ثالث يوم الفصح فرقم 3 يشير للقيامة.